البصمة الكربونية مقياس لثقافة ترشيد الاستهلاك

بقلم :- معتز حكمت السعد

تلوث الهواء هو تعَرَض الغلاف الجوي لمواد كيمائية أو جسيمات مادية أو مركبات بيولوجية تسبب الضرر والأذى للإنسان والكائنات الحية الأخرى، أو تؤدي إلى الإضرار بالبيئة الطبيعية.

ومن الممكن أن تكون هذه الملوثات في شكل جزيئات صلبة أو قطرات سائلة أو غازات  هذا بالإضافة إلى أنها قد تكون طبيعية أو ناتجة عن نشاط الإنسان بحيث تبلغ نسبته في الوطن العربي 40 %، ويمكن تصنيف الملوثات إلى ملوثات أولية وملوثات ثانوية. وعادة ما تكون الملوثات الأولية هي المواد التي تصدر بشكل مباشر من إحدى العمليات، مثل الرماد المتناثر من ثورة أحد البراكين أو غاز أول أكسيد الكربون المنبعث من عوادم السيارات أو ثاني أكسيد الكربون المنبعث من مداخن المصانع، أما الملوثات الثانوية فهي التي لا تنبعث في الهواء بشكل مباشر، وإنما تتكون هذه الملوثات في الهواء عندما تنشط الملوثات الأولية أو تتفاعل مع بعضها البعض. ومن الأمثلة المهمة على الملوثات الثانوية اقتراب الأوزون من سطح الأرض والذي يمثل أحد الملوثات الثانوية العديدة التي تكون الضباب الدخاني الكيميائي الضوئي.

تلوث الهواء في كل مكان واكثر من ذلك في المدن المزدحمة كما تولد الانشطة البشرية تلوث الهواء اما بشكل مباشر او غير مباشر وسوف نتطرق في بحثنا هذا عن احد ملوثات الهواء الذي تؤثر بشكل كبير على المناخ وهو احد الغازات الدفيئة غاز ثنائي اوكسيد الكاربون ويطلق عليه مصطلح البصمة الكربونية

تحُسب بصمة الكربون كمكافئ لثاني أكسيد الكربون باستخدام احتمالية الاحترار العالمي المتعلقة لمائة عام.أن البصمة الكربونية (Carbon Footprint )  هي مجموع انبعاثات غاز ثنائي أكسيد الكربون التي يطلقها الفرد من خلال نشاطاته اليومية كقيادة السيارة واستعمال الكهرباء وغيرها .

وهو مؤشر يتم من خلاله التعبير عن كمية انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري  والذي  يشمل(البترول ومشتقاته  والغاز الطبيعي والفحم الحجري) المستخدمة في إنتاج الطاقة الكهربائية ووسائل النقل المختلفة والنشاطات الصناعية . إلخ، ويتم استخدام البصمة الكربونية على عدة مستويات حيث تستخدم للتعبير عن معدلات انبعاث غاز ثنائي أوكسيد الكربون على مستوى نشاط  كل من الفرد و المؤسسات و الدول  أو حتى على مستوى عملية إنتاج أو تصنيع منتج معين أو على مستوى نشاط معين، وغالبا ما يعبر عنها بوحدة (الطن) من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في السنة.

 

اهمية البصمة الكاربونية :

إن البصمة الكربونية مسؤولة عن تأثيرات الاحترار العالمي المتنوعة التي تسببها بعض غازات الاحتباس الحراري الأخرى. لذلك ، يمكن التعبير عن “بصمة الكربون” كبديل شائع لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتم التعبير عنه كمكافئ لثاني أكسيد الكربون  تتكون البصمة الكربونية من مجموع جزئين، هما البصمة الرئيسية و البصمة الثانوية

البصمة الرئيسية : يتم عن طريقها تحديد الإنبعاثات المباشرة لغاز ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، والتي تتمثل في إستهلاكنا للطاقة الكهربائية واستغلالنا لمختلف وسائل النقل(سيارات، طائرات، قطارات). ومن خلال هذه البصمة يمكننا مباشرة التحكم في كمية انبعاثاتنا

البصمة الثانوية : يتم عن طريقها تحديد الانبعاثات غير المباشرة لغاز ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن دورة حياة المنتجات التي نستخدمها من مرحلة استخراج المواد الأولية إلى مرحلة التصنيع وصولا” إلى مرحلة النقل والتوزيع النهائية( وهي تكون متعلقة بشكل رئيسي بعمليات التصنيع ، وكلما زاد شراؤنا للمنتجات كلما زادت كمية الانبعاثات )

البصمة الكاربونية والاحتباس الحراري :

 يعد غاز ثاني أوكسيد الكربون 2CO من أكثر الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وكما هو معلوم فإن ازدياد نسبة غازات الدفيئة عن الحد المعين المسموح به قد أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وكان لهذا الارتفاع آثار سلبية كبيرة على المناخ والبيئة، فما نراه من تقلبات مناخية من أعاصير وموجات جفاف أو ارتفاع في منسوب مياه البحار وذوبان الثلوج أو حتى الخطر الذي يهدد العديد من الأصناف الحيوانية والنباتية بالانقراض ما هو إلا نتيجة ممارساتنا الخاطئة بحق الطبيعة والنظام البيئي الآيل إلى التراجع المستمر إلا إذا ما استدركنا وأعلنا حالة التأهب لمواجهة هذه الآثار البيئية المدمرة لنا وللأجيال المستقبلية القادمة . إن نسبة الانبعاثات الكربونية  لعام 2017 ارتفعت حوالي 2 بالمئة بعدما كانت في السنوات الثلاثة الماضية قد شهدت ثباتا ملحوظا حسب وكالة الطاقة الدولية IEA وقد بلغت حوالي 32 غيغا طن بالرغم من التزايد المستمر بالانبعاثات منذ حوالي ثلاثين سنة مضت، وتعد الصين من أكثر الدول المسببة للانبعاث الكربوني بنسبة تصل إلى 30 بالمئة تليها الولايات المتحدة الأميركية بحدود 15 بالمئة، فكما هو معروف يعتبر الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد عالمي وهذا التطور السريع لا بد أن يرافقه استهلاك كبير للطاقة وبالتالي أطنان هائلة من غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث في الجو لكن مع ذلك عمدت الصين في السنوات القليلة الماضية إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الجدية للحفاظ على بيئتها، والحد من هذا التلوث الهائل الذي تسببه، وهو بمثابة ضريبة تقدمها الصناعي والتكنولوجي.

البصمة الكربونية تقيس إسهام الفرد في الاحتباس الحراري:

 

كل منا له إسهامه فيما يتهدد كوكب الأرض من احتباس حراري، وقد أصبح من الممكن عبر “البصمة الكربونية” تحديد إسهام كل بلد بل كل شخص في هذه الظاهرة، منذ عدة سنوات أصبح بإمكان كل إنسان خاصة في الدول المتقدمة أن يخمن مقدار الكربون الذي يستهلكه في رحلاته بالقطار أو الطائرة أو عندما يأكل شريحة لحم أو يشغل جهاز التلفزيون.

يستخدم الإنسان في ذلك ما أصبح يعرف بالبصمة الكربونية التي تحدد إجمالي الغازات الدفيئة الناتجة عن تأثير الأنشطة البشرية وما يستهلكه الناس من أجهزة إلكترونية ومنزلية وملابس وأثاث ويتم قياس تأثير كربون أي منتج عبر دراسة دورة حياته، بدءًا من إنتاج المواد الخام ومرورا” بمرحلة التوزيع والاستخدام وانتهاء بمرحلة التخلص من هذا الشيء عبر التدمير أو إعادة التدوير.

وفيما يلي تقدير لإسهامات بعض الأدوات الشخصية والمنزلية في انبعاثات الكربون:

  • – الهاتف الذكي

تأثيره الأقوى والأبعد مدى يكون خلال مرحلة تصنيعه، إذ إن استهلاكه بعد ذلك للطاقة منخفض للغاية، وكما هي حال أجهزة التلفزيون أو الأجهزة اللوحية، فإن لمساحة الشاشة تأثيرا كبيرا: فالكبيرة )التي تزيد على 5.5 بوصات( تولد انبعاثات كربونية أكثر بنسبة 40% من شاشة صغيرة )أقل من 4.5 بوصات (

وعلاوة على البصمة الكربونية لهذه الأجهزة، فإن صناعتها تنتج أنواعا أخرى من التلوث خاصة في مرحلة استخراج المعادن، كما تساهم في استنزاف الموارد الأولية مثل التربة النادرة..

  • الثلاجة

تصل كمية ثاني أكسيد الكربون في ثلاجة سعتها 250 لتراً إلى 340 كلغ خلال دورة حياتها، وعلى غرار معظم الأجهزة المنزلية التي تقل فيها المكونات الإلكترونية ينبعث من الثلاجة الكثير من ثاني أكسيد الكربون خلال مراحل التصنيع والاستخدام ،وبما أنها تعمل باستمرار فإنها تستهلك الكثير من الكهرباء.

 

  • الملابس

يتركز انبعاث الغازات أساسا” في مراحل إنتاج المواد الخام ومراحل التصنيع والتجهيز

ففي حالة الجينز القطني مثلا تستحوذ مرحلة التشكيل والتصنيع على 40% من     الانبعاثات. وبالنسبة للمستهلك فإن اختيار الملابس التي تستخدم مواد أعيد تدويرها (قطن       أو تركيبي) يمكن أن يقلل بشكل كبير من تأثيرها الكربوني.

4-الأثاث

المواد الخام التي تساهم بشكل أكبر في تأثير الكربون هي رغوة البولي يوريثان والمعادن والبلاستيك، مما يعني أن المنتجات الخشبية هي الأفضل شريطة أن يكون مصدرها غابات تدار على نحو مستدام. وهذا ما يفسر التأثير القوي لمرحلة إنتاج المواد الخام في انبعاثات الكربون لدى الأريكة القابلة للتحويل، وتتفاقم هذه الانبعاثات في مرحلة التوزيع التي تتم باستخدام سيارات كبيرة.

 

طرق خفض البصمة الكاربونية :

.1البحث عن مصادر للطاقة المتجددة النظيفة وإستغلالها بديلا عن الوقود الأحفوري : إن الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة يعتبر من أهم الخطوات لتقليل الانبعاثات الكربونية ،وهذا ما انتهجته العديد من الدول للتخفيف من التلوث، ومن أبرزها الصين التي ارتفع فيها الطلب على الكهرباء من هذه المصادر في العام الماضي بمقدار 5.4 بالمئة والتي كان أغلبها من الطاقة المائية والرياح بالإضافة للطاقة النووية، ولا يمكن أن ننكر أهمية اعتمادها على الغاز الطبيعي بدلا من الفحم، ومدى تأثير ذلك على انخفاض الكربون المنبعث، ويعتبر إتباع الخطوات المناسبة لانتشار تقنيات الطاقة الخضراء وجعلها في متناول الجميع من تقديم التسهيلات في الاستثمار والقروض، سيساهم في خفض الاستهلاك في كافة القطاعات الحكومية، فمثلا استخدام السخانات الشمسية في المنازل، وتركيب الألواح الكهروضوئية على الأسطح، سيكون له الأثر المهم في تخفيض البصمة الكربونية.

. 2التقليل من كافة أنواع النفايات وخاصة النفايات الغازية.

. 3مراقبة كافة النفايات الصادرة عن النشاطات الصناعية وإلزام المصانع بمعالجة نفاياتها .

. 4مراقبة النشاطات الزراعية وإلزامها بالتحول إلى زراعات عضوية صديقة للبيئة.

.5إستغلال وتطوير وسائل النقل الجماعي  للتخفيف من إستخدام وسائل النقل الفردية التي تطلق ملايين اللترات من الغازات الضارة يوميا”.

.6الترشيد في إستهلاك الكهرباء والماء وإستخدامهما بشكل أكثر فعالية.: فكما نعلم فإن استهلاك الطاقة يرافقه المزيد من انطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون ،فلو عملنا على تغيير بعض من عاداتنا في استخدام الطاقة، لساهمنا في الحفاظ على بيئتنا واقتصادنا في دفع الفواتير، فمثلا لو استخدمنا المصابيح الموفرة للطاقة في الإنارة أو حتى مصابيح الـ LED فمن الممكن أن نقلل من 90 بالمئة من كلفة الطاقة المصروفة، كما أنه يجب الانتباه إلى عدم ترك أجهزة الإنارة مضاءة في حال الخروج من الغرف لأنه يعتبر بمثابة هدر في الاستهلاك، بالإضافة إلى ذلك لا بد عند شراء الأجهزة الكهربائية الجديدة الانتباه إلى اللصاقة الطاقية الخاصة بها التي تعطينا مؤشرا جيدا لمدى كفاءة هذا الجهاز، وقدرته على إعطاء العمل المطلوب لكن بأقل استهلاك ممكن، فمثلا استخدام براد بمواصفةA+  لمدة 24 ساعة سيعمل على إطلاق 116 كيلوغراما من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنويا ،بينما استخدام براد بمواصفة  A++ لمدة 24 ساعة سينتج عنه 89 كيلوغراما من ثاني أوكسيد الكربون سنويا، كما يجب ألا ننسى أن تشغيل الأجهزة المستهلكة للطاقة فقط عند الضرورة سيساعد في تقليل البصمة الكربونية، وهناك أيضا موضوع العزل الحراري الجيد لخزان المياه الساخنة الذي يرفع من كفاءته، وبالتالي يقلل من الطاقة المصروفة على التسخين.

. 7إعادة تدوير المواد القابلة للتدوير وإستخدامها في عمليات الإنتاج من جديد.

ويسهم تدوير المواد بأنماطها المختلفة بشكل فعال في تقليل الطاقة المصروفة على تصنيع المواد الجديدة، وخصوصا إذا تمت العملية محليا”، سواء في المنزل أو في نفس المدينة أو البلد، فمثلا يمكن الاستفادة من فضلات المطبخ من قشور الفواكه والخضراوات وتحويلها إلى سماد عضوي للنباتات المزروعة في حديقة المنزل

.8إعتماد وإستخدام الألات و الأجهزة والمعدات والمشاريع  ذات الكفاءة العالية وصديقة البيئة.

  1. التوسع في زراعة الأشجار والغابات وإعادة إستزراع الغطاء النباتي الطبيعي .

10.إعتماد الأبنية الخضراء صديقة البيئة في عمليات البناء.

كما تساهم المباني الخضراء(Green buildings)  في المحافظة على الموارد الطبيعية وخفض «البصمة الكربونية» من خلال تقليل استهلاك الطاقة الكهربائية، بنسبة 30 في المئة وترشيد المياه بنسبة تصل لـ50 في المئة وتقليل كمية النفايات إلى 50 في المئة، مما يؤدى إلى خفض البصمة الكربونية بنسبة 35 في المئة.

11.التشجيع على النقل الأخضر: لقد كانت نسبة استهلاك الطاقة في قطاع النقل لعام 2013 حوالي 28 بالمئة وهذه نسبة لا يستهان بها وتدل على حجم الانبعاثات الكربونية من وسائل النقل التي تعمل معظمها على مصادر الطاقة التقليدية من (بنزين ومازوت وديزل ) لكن عند الاستعاضة عنها بالوقود الأخضر،سيخفض ذلك من حجم الانبعاثات الكربونية إلى حوالي النصف أو أكثر أحيانا، فالسيارات الكهربائية التي يعاد شحنها من مصادر تعتمد على الطاقة النظيفة أو على الوقود الهيدروجيني قد لاقت رواجا” كبيرا” في الآونة الأخيرة حيث كان عدد السيارات في عام 2015 حوالي 1.25 مليون سيارة مع توقعات بزيادة هذا العدد في السنوات القليلة المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى