سجن الأحداث في العراق بين الاصلاح والعقاب

 

الحقوقية انوار داود الخفاجي

 

تُعد قضايا الأحداث وحقوق الأطفال واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه العراق، حيث يعاني البلد من مشكلات اجتماعية وأمنية واقتصادية انعكست على حياة الأطفال والمراهقين بشكل كبير. سجون الأحداث تُعتبر من بين أكثر المؤسسات حساسية في النظام القضائي والاجتماعي، كونها ترتبط بمستقبل أجيال ناشئة قد تواجه الانحراف أو تكون عرضة للضياع إذا لم تتم معالجتها بطريقة صحيحة.

 

تواجه سجون الأحداث في العراق العديد من التحديات التي تؤثر بشكل كبير على نزلائها. أبرز هذه التحديات تتمثل في الاكتظاظ داخل السجون، حيث إن البنى التحتية لهذه المؤسسات غير قادرة على استيعاب العدد المتزايد من النزلاء، ما يؤدي إلى تدهور الظروف الصحية والنفسية.

 

كما تعاني هذه المؤسسات من نقص في الموارد المالية والبشرية، مما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة، سواء من حيث التغذية أو الرعاية الصحية أو حتى الأنشطة التأهيلية. وبسبب هذا النقص، يُحرم الأحداث من فرص التعليم والتدريب التي يمكن أن تكون أساسًا لإعادة تأهيلهم وإعادتهم إلى المجتمع كأفراد فاعلين.

 

الأحداث في السجون غالبًا ما يتعرضون لممارسات غير إنسانية، مثل العنف وسوء المعاملة، الأمر الذي يعمق من مشاكلهم النفسية والاجتماعية بدلاً من إصلاحهم. كما أن غياب برامج التأهيل النفسي والاجتماعي يجعل من الصعب عليهم الاندماج في المجتمع بعد انقضاء فترة العقوبة، ما يزيد من احتمالية عودتهم إلى السلوك الإجرامي.

 

تتنوع أسباب دخول الأحداث إلى السجون في العراق، وأبرزها الفقر الذي يدفع الكثير من الأطفال إلى العمل في ظروف صعبة، ما يجعلهم عرضة للانحراف أو الاستغلال. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب التوجيه الأسري والتعليم المناسبين يساهم في زيادة معدلات الجريمة بين الأحداث.

 

الصراعات المسلحة التي عاشها العراق خلال العقود الأخيرة تركت أثرًا كبيرًا على الشباب والأطفال، حيث تزايدت ظاهرة التشرد وفقدان الوالدين، ما دفع العديد من الأحداث إلى الانخراط في أنشطة غير قانونية، سواء بدافع البقاء أو نتيجة للاستغلال من قبل جماعات إجرامية.

 

إصلاح الأحداث في العراق يتطلب تبني استراتيجية شاملة تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى انحرافهم منها:

 

*تحسين البنى التحتية للسجون* ينبغي للحكومة العمل على تطوير سجون الأحداث لتكون بيئة آمنة وصحية توفر لهم الرعاية المناسبة.

 

*توفير برامج تعليمية وتدريبية* يجب دمج برامج تعليمية تساعد النزلاء على اكتساب المهارات اللازمة لإعادة اندماجهم في المجتمع. هذه البرامج يمكن أن تشمل التعليم الأكاديمي، والتدريب المهني، ودورات التطوير الشخصي.

 

*التأهيل النفسي والاجتماعي* تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأحداث من خلال مختصين يساعد في معالجة الصدمات التي تعرضوا لها ويعيد بناء شخصياتهم.

 

*إشراك الأسرة والمجتمع*

إصلاح الأحداث لا يقتصر على السجون فقط، بل يجب إشراك أسرهم ومجتمعاتهم في العملية. تنظيم جلسات إرشاد أسرية يمكن أن يساعد في تحسين علاقة الطفل بأسرته وتهيئته للحياة بعد السجن.

 

*الوقاية من الجريمة*

يجب أن تركز الدولة على تطوير سياسات اجتماعية تقلل من الفقر والتشرد وتحسين التعليم والخدمات الأساسية للأطفال، لضمان أن تكون البيئة الاجتماعية ملائمة لنموهم السليم.

 

*الشراكة مع المنظمات الدولية* التعاون مع المنظمات الأممية والمحلية المتخصصة في حقوق الطفل يمكن أن يسهم في تطوير برامج إصلاحية فعالة ونقل الخبرات الدولية إلى العراق.

 

وفي الختام إن إصلاح سجون الأحداث في العراق ليس مجرد مسألة قانونية أو إدارية، بل هو استثمار في مستقبل البلد ككل. الأحداث هم جزء من النسيج الاجتماعي الذي يجب دعمه بدلاً من تركه ضحية للضياع. من خلال تحسين الظروف داخل السجون وتوفير فرص التأهيل المناسبة، يمكن للعراق أن يحقق خطوة كبيرة نحو بناء جيل جديد يسهم في تطوير المجتمع بدلاً من أن يكون عبئًا عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى