الابتزاز الإلكتروني وجه الخوف الحديث
بقلم :-اخلاص قحطان
برعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وضمن المبادرة الوطنية لتنمية الشباب، أطلقت منظمة (نايا) بالتعاون مع المجلس الأعلى للشباب ودائرة المنظمات غير الحكومية حملة ضد الابتزاز الإلكتروني، مشددة على ضرورة الإبلاغ عن المبتز، وتوعية النساء بكيفية حماية أنفسهن من الوقوع في هذا الفخ.
لم يكن الخوف يومًا سوى ظلٍّ يلاحق الإنسان، يتلون بألوان الأزمنة، ويتخذ أشكالًا لا حصر لها. كان في الماضي صوت خطوات غريب في منتصف الليل، رسالة على ورقة صفراء تصل دون توقيع، أو نظرة حادة تراقب من بعيد. أما اليوم، فقد صار الخوف أكثر ذكاءً، بلا هيئة واضحة، بلا صوت ولا ملامح. إنه رسالة إلكترونية، إشعار صغير يظهر على شاشة الهاتف، تهديد مخفي خلف كلماتٍ باردة، لكنه قادر على زلزلة عالم بأكمله.
الابتزاز الإلكتروني، كما لو أنه طائرٌ أسود يحوم فوق كل حسابٍ شخصي، يقتات على لحظات السذاجة، على لحظات الثقة الزائدة، أو حتى على تلك الأخطاء البريئة التي تتحول بين يدي المبتز إلى سلاسل من الخوف. ليس هناك فرق بين ضحيةٍ وأخرى، فالكل معرض لهذا الفخ، مهما بدا حذِرًا، لأن العالم الافتراضي ليس كما نراه، بل هو غابةٌ بواجهات براقة وأعماقٍ مخيفة.
المبتز لا يحتاج إلى سلاح حادّ، ولا إلى غرفة مظلمة، ولا حتى إلى لقاء مباشر مع ضحيته. كل ما يحتاجه هو شاشة، اتصال إنترنت، وقلبٌ خالٍ من الرحمة. من وراء ستار الأسماء المستعارة، ومن داخل رسائل تختبئ خلف وعودٍ زائفة، يفرض المبتز شروطه، يُشهر تهديده، ويترك الضحية بين خيارين كلاهما مرّ: إما الانصياع، أو مواجهة خوفٍ لا نهاية له.
في بلدانٍ مثل العراق، حيث لا تزال المجتمعات تحكمها الأعراف أكثر من القوانين، يصبح الابتزاز الإلكتروني سلاحًا فتاكًا، خاصة ضد النساء. الخوف من الفضيحة، من العار الاجتماعي، من العيون التي لا ترحم، يجعل الضحية تسقط في دوامة الصمت، في دائرة مظلمة لا أحد يسمع فيها صراخها. كم من فتاةٍ دفنت نفسها في العتمة خوفًا من نظرة المجتمع، وكم من شابٍ عاش في رعبٍ لأن لحظة طيشٍ تحولت إلى قيدٍ يلتف حول عنقه؟
لكن، مثل كل الظلال، لا بد للخوف أن يتلاشى عندما يُواجه بالنور. المواجهة هي السلاح الوحيد ضد الابتزاز، الصمت ليس خيارًا، والاستسلام ليس مخرجًا. القانون موجود، والحلول متاحة، والمبتز ليس سوى شخصٍ جبان يقتات على خوف الآخرين، وعندما يُحرم من هذا الخوف، يفقد قوته تمامًا.
في النهاية، يبقى الابتزاز الإلكتروني وجهًا حديثًا للخوف، لكنه ليس خوفًا لا يُهزم. كل رسالة تهديد تفقد قيمتها عندما تُكشف، وكل مبتز يخسر سلطته عندما يُفضح. لا شيء أكثر رعبًا للمبتز من ضحيةٍ لا تخاف، من شخصٍ يرفع رأسه ويقول: لن أكون فريستك.. أنا أقوى منك.