الحياة الجامعية، استنزاف طاقة بأحمر شفاه وربطة عنق
بقلم بيار الظاهر
في كلّ عام أقف على أطلال شهر أيلول وتشرين الأول لأتأمل شغف وحماس الكثير من الطلبة للعودة إلى مقاعدهم الدراسية وأخص “طلاب الجامعات” وما يلفتني أكثر أولئك المغفلين مثلي قبل سنوات من الوهم الطويل الذي عشته قبل أن أدخل الحرم الجامعي حتى تخرجت بضحكة وللقارئ حق فهم هذه الضحكة.
دراسة طويلة مخرجاتها فئتين يجمعهم الحماس المهلك، الفئة الأولى أولئك الذين يدفعهم التوق إلى مفهوم الحرية خاصتهم، التمرد بأحمر الشفاه، التأنق بالبنطلون الممزق، قضاء الوقت برفقة الأصحاب، الحُب المنتظر بالقصص والروايات، لحظة الاصطدام بفارس الأحلام بمرر الكلية، التأنق بربطة عنق وبدلة رسمية أو العمل على العضلات وقصات الشعر الجذابة، تعلم أسلوب كيف (أجعل الفتاة التي ابتسمت لي من غير قصد تحبني ) وتطول القائمة وما أكثرهم، ويكون الهدف واضحاً منذ بداية العام هو النيل بفارس الأحلام أو فتاة الأحلام.
أما الفئة الثانية أولئك المتوهمين بالثورة العلمية والفكرية التي تنتظرهم وهم قليلون، أولئك الذين ينصدمون بواقع مختلف تماماً حيث لا يجدون مكانا للتعبير هناك، سوى “الكافتريا” التي تجمعهم فالأسلوب المعتمد بمعظم الجامعات هو التلقين والهم الأكبر هو نيل الدرجات للحفاظ على المعدل في نهاية المطاف.
فترى الطالب أصبح آلة للحفظ والتكرار ولو سألته عن المادة التي درسها في العام الماضي فلم يتذكر منها سوى أستاذها، خوفاً لا حُباً وهذا ما أجزم عليه دائماً.
إن واقع التدريس للطالب الجامعي بات مكملاً لاستنزاف الطاقة والعبودية التي اعتاد عليها منذ الابتدائية حتى الاعدادية حيث أصبح التفكير خارج الصندوق محدود جداً لا يتعدى طموح التخرج والهروب من ضغط الامتحانات والمحاضرات. ان طرق التدريس اليوم بحاجة الى إعادة دراسة وإن معظم التدريسيين بحاجة إلى تأهيل وصقل، إضافة إلى الجانب النفسي الذي لا يعير أحداً له أي اهتمام فيصبح الموضوع عبارة عن مداورة عُقد بين الطلاب والأساتذة من جيل لجيل.
لا أنكر بأنني في كل عام قبل بدأ العام الدراسي يولد بداخلي هذا الحماس حتى بعد التخرج زارني ه متزيناً بطعم الغزل والأهتمام الرقيق من خلال قراءتي لرسالة وصلت لشخصية في فيلم ما تدعى كاثلين كيلي حيث تنتهي هذه الرسالة ب “لو كنت أعرف أسمك وعنوانك لأرسلت لك بوكيه من أقلام مبراة للتو”
ان موسم العودة للدراسة يولد لنا هذا الشعور وهذه الرغبة في كل خريف، فأتخيل ماذا لو تزين الحرم الجامعي بخريف ما، بحزب طلابي يتشاركون الأفكار اللامحدودة ويطمحون أن تصل أصواتهم وجامعتهم عنان السماء، أو أن يكون هناك مركز دولي لدراسات سياسية واجتماعية وتقام الورشات والندوات للمهتمين بهذا الشأن أو برامج تبادل ثقافي حقيقية يتم اختيار الأجدر بها، أو تواضعاً سفرات علمية شهرية! أو تواضعاً أكثر مكتبة للقراءة واقعية ومكتبة الكترونية، أو مثلاً حق بسيط توفر الانترنيت بأروقة الجامعة وتطول القائمة التي لا تسعفني أن أكتبها بقدر ما نحتاج إلى دراسة واقعية مهتمة لمستقبل الطالب والأستاذ من قبل الجهات المعنية وإنقاذ القليل مما تبقى…