جدلية رواية ثالث ثلاثة للروائي اللبناني أشرف المسمار Ashraf Mesmar
بقلم :- فرح تركي
في بداية شهر اب وصلني ملف الرواية من الروائي متفضلاً ليتسنى لي قرائتها، ولكني واجهت عسرا في كتابة احدى قراءات عن احدى الروايات، فبقيت مركونة في رف ذاكرتي ” رواية ثالث ثلاثة”.
ثم جاءت تلك اللحظة التي ألج بها الى عالم الرواية و هي تجربة أحببتها منذ خريف عام 1990 الوقت الذي دخلت فيه عالم القراءة..
اللحظة التي سوف تعزلني عن العالم المادي حولي، ويمنحني تذكرة الدخول لعالم اسسه مؤلف الكتاب، ولان لدي بعض الهفوات البسيطة في حب الاستعراض فقد قمت بعد أن قرأت عشرة صفحات بأخذ صورة للغلاف ونشرها بخاصية الستوري “story” ليوقفني شيء ما، وجدت رمز جمدني”+18″مدون على غلاف الرواية، وقعت في حيرة من امري، هل اقراها، واذا قرأتها هل اكتب عنها، وهذا يعود الى ألتزامي بحدود اللياقة فيما أنتجه من افكار او ما اروج عنه من كتب ومحتوى.. ولكن سفينة حيرتي رست على المضي قدما وأن قرار الكتابة يصدر بعد أن أشخص نوع الافكار والمعالجة التي يقدمها المسمار للقراء واللذين أنا منهن حالياً.
في بداية الاحداث هناك مدخل الى طقوس رومانية كانت تستخدم في تعذيب النساء مع الالات وشرح واف بالتفاصيل، في اشارة الى عمق معرفة الروائي المسمار في سرده وتفاصيل مكان الرواية، هذه الدلالة لها عمق معرفي وتمكن القارئ من رسم ملامح البيئة التي انتجت احداث كهذه، مع انتقاله في الفصول التالية الى مشاهد مفصلة عن الصعاب التي يواجهها العربي في السفر البري ” النية اللجوء” وذلك عن طريق الاراضي السورية التركية ومنها الى اوربا والمانيا خصوصا، تلك الدولة التي اصبحت قبلة للمهاجرين واللاجئين العرب بحثا عن الامان، العمل، المال، الحرية.
تبقى كلمة الحرية.. هي النقطة التي تمتلك خط بين الحرية بمفهومها الناصع، الحقيقي، الذي يضمن كرامة الانسان وبين حفاظه على المسافة الامنة مع الاخرين، وبين الجهة الاخرى منها وهي التجاوز على كل ذلك، حريته القصد منها الفساد بنفسه وذويه وبين الفطرة والاحكام التي نزلها الله.
من ضمن مجاميع اللاجئين سيدة توفى زوجها في الطريق، وبقيت مع صدمتها بخسارته مع المجموعة التي كانت تنتقل معهم طلبا للحماية، لا مستقبل لها لتعود، ولا تعرف ما الذي امامها، لذلك كانت ” ” طموحة وبدات تتعلم اللغة وتحاول بناء علاقات متماسكة مع المجتمع الالماني واللاجئين وكذلك تقوية علاقتها بمن يدير المؤسسات والمنظمات التي تهتم بامور اللاجئين ومتابعتهم وكان من بين تلك شابة تعمل في منظمة اسمها “فردفالد”، كان لها دور في تحريض” يم” لتتخلى عن انوثتها وتتحول الى رجل، تلك المنظمات التي تنادي بالحرية، تتبنى كل المصاريف من علاجات وجلسات وعمليات لتتحول امراة عربية الى رجل بشرط الظهور للميديا والاعلان عن مبدأ حريتها في اختيار نوعها سواء اكانت رجل ام امراة…
بالعودة الى “يم”، تلك اللأجئة العربية الهاربة من حجيم الحرب في الشرق الاوسط، بعيدا عن الاهل، واجهت موت زوجها، واجهت تخلي الاصدقاء بعد ان طاوعت” فردفالد” للتحول الى ذكر، رجل، اوهام صبها عليها مجتمع لا يقارب مجتمعنا العربي في اصوله ولا عاداته..
انتقام” يم”، بعد أن ازالت يام رمز انوثتها “ثديها” بعملية تكفلت بها منظمة فردفالد، واجهتها تغيرات في جسدها، واتضح بعد ذلك انها كانت تحمل جنينا في احشائها وان تلك المنظمات وما ينون من نوايا تحرض على المثلية والشذوذ وتغيير النوع، كان لهم علم بحملها واخفوه، اثار خسارة الجنين في يام مشاعر الامومة وتنبهت بعد فوات الاوان بانها تم استغلالها وان رفض المجتمع لها ليس دليل على العاقبة السيئة التي سارت فيها في هذا الطريق.
كان لابد من الانتقام، خططت يم لعشاء تدعو فيه فرينالد لتقتلها، لتقتل حسرة قلبها على التحول الذي زينته لها وكأنه خلاص لها، الامومة التي قتلت فيها، والانوثة التي خسرتها والتي هي جوهر روحها، هذا الجرح النفسي الذي لم تستطع يم أن تتفاداه وكان هو الدافع لتلك الجريمة التي سردها المسمار في فصول روايته الاولى هذه…
وأشير الى ان كتابة مثل هذه الرواية لما تتطلبه من الروائي تقمص عدة ادوار، فيعيشها ويعيش صراعاتها الاجتماعية والاجتماعية والنفسية قبل ذلك، اضافة الى الجهد الذي تطلبته لتخليد الاماكن ضبط التوقيقات ، وهذا ليس بالامر الهين…
المراة كائن حساس، ان توظيف المراة في العمل السردي، مقتبس من الواقع، فلو أنتبهنا الى الحقيقة لوجدنا أن هناك الكثير من الجهات العالمية، سواء في الفن او عالم الموضة والجمال يختارون ان تكون المراة هي المروج لبضاعتهم، ولو دققنا اكثر لوجدنا أن ذلك منفذ ختى في الاعلانات فهم يختارنون أن يكون الموديل امراة وهو انتقاصا من عفتها وكيونتها التي فطرها الله عليها وهي ان تكون خارج الصفقات، معززة مكرمة لا تنال منها المؤمرات…
ان هذه الرواية هي تعرية، وليست ترويج لتلك الافكار الخالية من القيمة، هي فارغة ومدنسة للروح البشرية، هي مخالفة للفطرة الانسانية وهذه رسالة المسمار في كل سطر، كلمة، حرف انتجه حبر المسمار، وهو يخطو في مشروعه الروائي وهي ثالث ثلاثة،، تعد الخطوة الثالثة والتي انطوت على براعة وذكاء وكشف للكثير من الامور المخفية…
كتبت ببغداد
30August 2024