مدى تأثير النهايات في قصص الكاتبة فرح تركي “ملكوت آخر” أنموذجاً
بقلم: جواد الكاتب
لسنا بصدد تعريف القصة القصيرة والقصيرة جداً وعناصرها وما إلى ذلك، فهو تعليم ابتدائي نتعداه حينما نجد أن نصوص القاص تحترف بإبداع وتميّز وتحتاج إلى دراسة طريقة العرض للنص المختلق ببراعة..
أما نظرة المتلقي فتنصب على قوة الأسلوب ومرونته في إيصال الفكرة معتمدة بالأساس على نوعية البداية وابتكار نهاية تدهش القارئ.. إذ تلعب النهايات دورًا حاسمًا في القصص القصيرة، “حيث تحدد نهاية القصة مدى تأثيرها ومصير الشخصيات والقصة بشكل عام. فإذا كانت النهاية جيدة ومرضية، فإن القصة ستكون ناجحة وسيتذكرها القارئ لفترة طويلة. وإذا كانت النهاية سيئة أو لم يتم إنهاؤها بشكل جيد، فإن ذلك سيؤثر على القصة بشكل سلبي وقد يترك شعورًا سيئًا لدى القارئ. بالإضافة إلى ذلك، قد توفر النهايات الغامضة تفسيرات مختلفة للأحداث في القصة وتدعو القارئ للتأمل والتفكير”.
“ملكوت آخر” مجموعة قصصية صادرة عن دار وتريات للنشر والتوزيع / العراق – بابل – 2023. للقاصة العراقية “فرح تركي”.. 25 قصة قصيرة ابتدأت بالقصة “غول” وانتهت بالقصة ” إثم فينوس” .. في كل نص من النصوص نرى الكاتبة تبتكر في سردها المكثف نفساً إبداعياً يجعل المتلقي في حالة من التمسك بالحضور واستمرارية القراءة.. بالطبع يعود ذلك إلى الكاتبة كونها عرفت أدوات لعبة السرد القصصي وفهمتها، لما امتلكته من خزين أثناء ممارستها لكتاباتها السابقة ومطالعاتها المستمرة.. في ” الغول” تعطينا فكرة عن الطموح واستغلال الوقت بشخصية متناقضة ومزاجية ذات هيئة ضخمة (بغضب عارم رفعت المنضدة الثقيلة إلى أعلى رأسي وأنا أصرخ، لكنني تراجعت عن رميها على زميلي الذي قذفني بقنينة ماء … فمن يصدق انب غولاً مثلي يحمل وجهاً طفولياً وضخامة أعتى الرجال) ص5..
نلاحظ من خلال هذا المقطع أن البدايات تؤثر على أول انطباع للقارئ عن القصة.. تقدم البداية عادة الشخصيات والإعدادات والصراع وتساعده على فهم سياقها وموضوعها وشخصياتها. ونبقى على أمل النهاية من القاص كيف سيكون نوعه ؟ ومدى تأثيره على القارئ وهل النهاية مقنعة بحيث يبقى المتلقي يتذكرها؟ تُلقى تلك التساؤلات على عاتق القاصة فعليها أن توفر خاتمة للقصة تكون منطقية ومناسبة تحمل معنىً ودلالة للقارئ وتعبر عن نوعية القصة التي قرأها.” في العادة يتم استخدام البدايات والنهايات للتركيز على فكرة معينة، أو تقديم بطل خارق، وغالباً ما تكون هذه العناصر الأساسية تعزز جو القصة وتجبر القارئ على مواصلة القراءة.” منقول..
إذن لنرى النهاية التي قدمتها فرح تركي في قصة الغول جلست في مقعدي الدراسي أخرجت كتبي وبدأت أستمع إلى الدرس وأدوّن بانتباه، في خطوة أخرى سأكون في ممر للطوارئ أركض مع المرضى … أضغط بقوتي لأعيدهم إلى الحياة ، قوتي التي رفعت بها المنضدة من أجل مزاح برئ) ص 7
في قصة “صورة” يتواكب ابداع القاصة في وضع نهاية مذهلة.. وهي أي القصة لا تختلف في معطياتها الدلالية عن جميع قصصها إلاّ فيما ندر.. ولكي أكون منصفاً سأنقل مقاطع من القصة كي تتجلى النهاية الرائعة:
– الليل ساكن موحش، الأولاد على أسرتهم نائمون، وهو ساهر ، تحوم نظراته حولهم..
– قبل سنة عندما ذهب في رحلة… فتحت حاسوبه.. مرت ساعات طويلة وانا أبحث في صورة وكأنني أستفهم عن رسالة منهُ، كلمة، شئ أخفاه عني ليوم كهذا ..
– كنت أتصور أن كل ما مر بنا هو حدث سينمائي وسينتهي في أية لحظة لكنني في خضم كل هذا وقفت عند صورة له تشبه هذه المعلقة على الحائط ولكنها من دون الشريط الأسود المائل الذي يشطب وجوده … ووجودي!
– نهاية موفقة لكنها مؤثرة ومحزنة ورائعة.. كل النجاح والموفقية للكاتبة فرح تركي ..