اغتيال الرأي العام

 

شمخي جبر

تتم عملية اغتيال الرأي العام من خلال اللعب بالنسيج المجتمعي وتهديد وحدته من خلال رسالة او عدة رسائل اتصالية مشوهة تتم صناعتها بقصد إيصال مضامين غير صحيحة تهدف الى الإضرار بالجمهور من خلال السعي لتشكيل موقف اجتماعي يتعارض مع الحقيقة في ذهن المتلقي.

ويتم هذا من خلال خبر كاذب او ترويج معلومات مضللة تقدم للجمهور على انها صحيحة بهدف تسميم الرأي العام وحرف توجهاته وهو ما نتحدث عنه بوصفه عملية اغتيال للرأي العام فالتضليل الإعلامي يسعى إلى صناعة رأي عام مشوه بل غير حقيقي لأنه مبني على معطيات إفتراضية مصنوعة في مطابخ متقدمة قادرة على صناعة أغذية فاسدة تبدو لمن يتذوقها أنها صالحة للإستهلاك بل قد تورط الكثيرين لترويجها فتصبح هذه العملية متطابقة تماما مع مفهوم (مصائد المغفلين ) وهو مفهوم عسكري تستخدمه جماعات الهندسة العسكرية اذ هو أحد انواع عمليات التفخيخ.وللمقصود هنا ان أولئك الذي تصطادهم شباك المروجين للتضليل او الاخبار الكاذبة هم مغفلين لايدرون ماذا يروجون وماذا ينقلون من أخبار او معلومات.

ومع ظهور الذكاء الاصطناعي أصبحت عملية التزوير والتشويه للحقائق والمعلومات متيسرة وهو ما يصبح اكثر خطورة وقوة، إذ استفادت منه وقامت عليه عمليات التشهير والتسقيط أو ما سماه بعض الباحثين ب(القتل الرمزي) وقد يكون القتل الرمزي تهيئة أو مقدمة لعملية القتل المادي

فحين تنتشر الكذبة لا ينفع معها النفي والتكذيب بل تتحول الى حقيقة وقد يتشكل معها موقف حين يتلقفها المئات والآلاف من الناس الذين تنطلي عليهم في ظل تطور وسائل صناعتها وبخاصة مايسمى الذكاء الاصطناعي الذي أصبح علما قائما بذاته يدرس في المعاهد والكليات وله خبرائه ومعلميه ومدربية وطلبته ودارسيه.

وربما يساعد ويخدم عمليات التضليل هو انعدام الشفافية وعدم الحصول على معلومات دقيقة وصحيحة من مصادرها الحقيقية من خلال أسلوب الكتم أو التكتم والحجب والتعمية على المعلومات وعدم السيطرة على الأجهزة والوسائل الإعلامية او منع نشر معلومات تحت طائلة المسؤولية القضائية تحت ذريعة الأمن القومي.

وقد يكون الهدف من عمليات التضليل بث خطاب الكراهية الذي

يتجلى في برامج بعض القنوات الاعلامية او تصريحات بعض السياسيين، وقد يصبح هذا الخطاب هو هدف السياسي او القناة التلفزيونية وعدتها لتحقيق اهدافهما في تهديم التعايش المجتمعي.

وقد يسعى البعض الى إيقاظ فيروس الطائفية او التفرقة العنصرية ومحاولة تنشيطه وبث الروح فيه من خلال بعض الأفعال والاقوال ،وقد اتفق القوم على ان القول اشد ايلاما وتأثيرا من الفعل .

فالقول قد يكون تصريحا لوسيلة اعلام او تقريرا خبريا يتم دس بعض السموم فيه من اجل الترويج واشاعة هذا الفيروس كلما خمد وضعف او تلاشى .

وقد اهتمت الدول بهذه الظاهرة الخطيرة، بل قد وصل الامر بالجمعية العامة للأمم المتحدة التي( عبرت عن قلقها من انتشار المعلومات المضللة والدعائية، ورحبت بجهود الأمين العام الرامية إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة التضليل الإعلامي. واستجابة لذلك، قدم الأمين العام تقريرا إلى الجمعية العامة يستند إلى المعلومات وأفضل الممارسات التي تشترك فيها الدول وكيانات الأمم المتحدة وأصحاب المصلحة المعنيون بشأن مكافحة التضليل الإعلامي.

في أب 2022، واستجابة لطلب الجمعية العامة في قرارها الصادر في كانون الاول 2021، نشر الأمين العام تقريره بشأن مكافحة التضليل الإعلامي.)

التطور التقني والانتشار الواسع لمضامين السوشيل ميديا قدم مساحات واسعة لعمليات التضليل ،وبخاصة حين نتحدث عن رسائل اعلامية خارج الرصد والرقابة.

في الختام لابد من الاشارة الى اننا حين نقول ان عملية التضليل هي اغتيال للرأي العام،فأننا نقصد تغيبه او تشويهه وحرفه عن قناعاته وتشكلاته الحقيقية.

زر الذهاب إلى الأعلى